كثيراً ما تتكرر مشاهد العطشى في الصحراء , و هم يهرعون لواحة قد بدى ماء نبعها يتلألأ , تحت شمس لظاها حارق , و في وطأة جفاف حناجرهم يتمسكون بذلك الأمل , الماء يظهر و أعيننا تراه و أجسادنا مشتاقة للإرتواء , للغطس , للتراشق , لكن الفظيع في المشهد حين وصول هؤلاء المتلهفين إلى المكان البعيد فيجدون أن الواحة الغناء لم تكن سوى صورة طيفية رسمها عقلهم الباطني و صدقتها أعينهم الذابلة في أقصى حالات الظمأ ...و يستمر سيرهم المتعب تحت أشعة الشمس الصفراء اللافحة.., و قد تظهر الواحة من جديد , فهل سيصدقون أعينهم مرة أخرى , ,,,,,
كذلك في الحياة , يتكرر هذا المشهد باستمرار , و إن كان من زاوية مختلفة , أناس كنت أكن لهم بالغ الود و قدراً كبيراً من الاحترام , اعتبرتهم مصابيح تنير ظلمة المكان, و حاولت باستمرار أن أستزيد من معرفة أفكارهم , مبادئهم , قوانينهم , خصوصياتهم, أقول هم مدرسة لا بد أن ننهل منها , و نبع من المهم جداً أن نغرف منه ما يزودنا بطاقة السير نحو الأمام , كنت أشعر بحجمي المتقزم و حجمهم العملاق ,..كنت..وكنت , و ما كان لا يعود أبدا , و لحظة اعتقادي أنني وصلت للواحة, تلاشت ملامحها البراقة , و اختفت الصورة , ابتلعتها دوامات تخبط في المدى خبط عشواء , أين بريق المبادئ و أين جاذبية الحديث , أين اللباقة و أين الثبات على الحق , أين نصر المظلوم و شجب الظالم , أين الرفق بالضعيف و التصدي للقوي الأرعن, أين المواقف الصلبة الصامدة و أين الرجولة الحقيقية, أين الإنسان قلباً و قالباً ؟؟؟...تلاشى كل شيء فأدركت أن الصورة كانت طيفاً يعبث بلهفتي, و يجعل من قضيتي مدعاة للتسلية , و الآن أسأل نفسي, إن ظهرت الواحة مجدداً , فهل سأثق؟؟؟ لا أظن ذلك, و الواقع أن رقعة الوثوق عندي تضيق شيئاً فشيئاً , أخاف أن يأتي يوم أجد نفسي غير قادرة على الوثوق بأي كان , و أدرك تماماً أنني ساعتها, سيصعب علي العيش بسلام.
من يوم غمرته الحيرة..
و عمت ليله الظنون